صرخة ووجدان.
عندما دقت طبول الحرب، ونضجت ظروف طبخة التهام لبنان على مذبح مصالح الدول والإقليم، وتضافرت كل العوامل والأسباب والمسببات، وتجمعت الغيوم السوداء في سماء الوطن تمطره بزوابع من نار ودمار، كان القرار بالدفاع عن الذات في وجه الغزاة ومواجهة الإعتداءات علينا، ورد العدوان بما أمكن عن قرانا ومدننا، ولم يكن ذلك شغفا منا بممارسة القتال ولا المواجهات ولا لشهوة خوض الحرب كهواية، ونحن أبناء السلام، لكننا فعلنا دون آسف ليبقى لنا الوجود، ليبقى الوطن لكل أبناءه وطوائفه وشرائحه في معتقداتهم وشعائرهم وفي ظلال أرزهم، ملجأ أمان وطمأنينة. كان القرار الفطري والتاريخي والغرائزي هو أن لا نهرب ونغادر، أو نأشمل أو نركع، او نكون أهل ذمة في وطننا، وتاريخنا الطويل يشهد أننا قاومنا كل تلك الٱفات على مدى المئات من السنوات، ولسنا بوارد أن نفعل الان بعد أن تخطينا كل حقبات الظلام والظلمات السابقة. كان قرارنا المواجهة ونبقى هنا لنعيش ذاتيتنا وحضارتنا برؤوس مرفوعة على تراب وطن نحن أساسه وسبب وجوده، هذا التراب الذي اشبعناه من دماؤنا وعرقنا ودموعنا على مر الأيام.
حين تقاعست الدولة الركيكة، الغافلة، المتقاعسة، الخانعة عن القيام بواجباتها العام ١٩٧٥ وما قبل هذا التاريخ، جمعنا ذاتنا وفعلنا ما يجب عمله، وصمدنا بإمكانيات ضئيلة، وتعثرنا، واضطهدنا، وخسرنا مناطق وقرى، وتعرضنا لمجازر بشعة متعددة، وقدمنا خيرة شبابنا بآلاف، وانتظرنا أن تقوم الدولة بالدفاع عن الأرزة، وعن مواطنيها وتمنع الانفلاش الفلسطيني الخطير، وغطرسة حافظ الأسد وطموحه، وإسرائيل وخبثها، ووقاحة الليبيين والعراقيين زمن أحمد حسن البكر والصوماليين، ووساخة الليننيين الشيوعيين الذين قدموا من دول عديدة لمسحنا، وغيرهم من الأوباش، واعتقدنا بطيبة وربما ببلاهة أن الدولة وأجهزتها سيفعلون لكنهم لم يتجرأوا، واستمرت الحرب طويلاً ومازلت حتى لحظته تنشر المزيد من البغض والانقسام.
لقد ظلمنا الجميع، نحن الذين لم نخرق الحدود لتحدي الآخرين بل هم كانوا الفاعلين، من العامل الفلسطيني إلى السوري والإسرائيلي والإيراني وباقي اللاعبين، هم الذين تعدوا وقتلوا شعبنا وهجروه وافتعلوا به واندحروا، ونحنا بقينا وهذا هو الأساس، وخسىء المتطاولون على لبنان. والسلام…. د . جو حتي