لبنان بحاجة إلى قائد أو قادة في مواقع المسؤولية.
السفير د. هشام حمدان
تُظهر التطورات الأمنية الأخيرة التي شهدها لبنان أن فترة السماح والتجربة التي منحت للرئيسين عون وسلام قد انتهت. هما موظفان كفءان مهنيًا، ويؤديان عملهما ضمن نظام تحكمه قوى الميليشيات وأركان النظام الذي حكم البلاد منذ اتفاق الطائف وحتى الآن. القيادة تفترض اتخاذ المواقف، لا رد الفعل التبريري أو التجميلي.
منح الرئيسان فرصة نادرة لاستعادة هيبة الدولة ومكانتها بين الشعوب، إلا أن بيان كل منهما بعد قصف الضاحية كان باهتًا، لا يحمل أي معنى ملموس. البيانان يثبتان أنهما مجرد مدراء لحالة مستمرة، كما فعل من قبلهما. لا يظهر في أي من البيانين لهجة سلطة حقيقية تمسك بزمام القرار السيادي.
ما زال الرئيس عون لا يريد أن يكون طرفًا في الواقع القائم، وعليه أن يتخذ قراره بشكل حاسم ويعلن موقفه. أما الرئيس سلام فما زال يفكر كمندوب دائم للبنان تم تعيينه من قبل السلطة السياسية نفسها التي جلبته إلى منصب رئيس الحكومة.
هذا ليس ما يحتاجه لبنان بعد أن عانى من الحروب والدمار والخراب والألم لأكثر من ستين عامًا. هذا ليس ما يعنيه القرار 1701. لبنان بحاجة إلى قرار جريء من السلطة التنفيذية، يفصل بين سنوات الحرب وقادتها وسنوات السلم وقادتها.
ما فعله الرئيسان حتى الآن هو مجرد إحياء الأحزاب التي كانت على وشك الانهيار، وذلك لتثبيت دورها في القرار المقبل. كأن الدولة ما زالت مجرد مراقب للترتيبات الأمنية بين إسرائيل وميليشيات الأمر الواقع، وليس الكيان السيادي الذي يجب أن يخرج البلاد من هذه اللعبة.
هذا أمر محزن ولا يمكن السكوت عنه، لذا تستمر معاناة أهل الضاحية وأهل الجنوب وكل مواطن لبناني. كفى سياسة. التاريخ لا يرحم.
الدولة لا تتحمل شراكة أو محاصصة أو تسويات. هذه ليست دولة، إنها مزرعة أو شركة مختلطة. على الدولة أن تحكم. لا سلاح مع أي طرف خارج الدولة. هذه نقطة يجب أن تُكتب بنهاية السطر. على السلطة التنفيذية أن تتخذ القرار وتبدأ العمل. من يعارض القرار يتم تحويله إلى القضاء، ومن يحمل السلاح بوجه الدولة يعتبر إرهابيًا ويعامل بناءً على هذا الأساس.
لا حاجة للخوف من حرب أهلية، ولن تحدث حرب أهلية. لن ينقسم الجيش. بناء الدولة هو حاجة للجميع، وليس لفئة معينة. الدولة للجميع، وعلى الجميع أن يعززوا دورها، لا أن يجعلوها غطاءً للممارسات الميليشياوية.
عندما تثبت الدولة أنها صاحبة السلطة، يمكنها الوقوف في وجه إسرائيل، وحتى أمريكا إذا لزم الأمر، والمطالبة بالعودة إلى اتفاق الهدنة. هذا الاتفاق هو الذي ينظم العلاقة بين لبنان وإسرائيل، ويؤكد أن المسؤول عن الأمن في البلاد هي الدولة وحدها.
هذا الاتفاق يضمن للبنان السلام والهدوء كما ضمنه له منذ عام 1949 وحتى 1969، عندما أُجبر لبنان على توقيع اتفاق القاهرة. كما يسمح للبنان بإعادة التأكيد على التزامه بالسلام في الشرق الأوسط، ولكن وفق آلية إعلان بيروت لعام 2002. فلا سلام ولا تطبيع مع إسرائيل إلا بالتوافق العربي، وفقًا لذلك الإعلان.