١٣ نيسان ١٩٧٥

١٣ نيسان ١٩٧٥.
متى وقع الثور كثر من حوله الجزارون.
منذ ما قبل العام ١٩٧٥ أضحى لبنان ناضجاً ليتناوله الأطراف المحليين والإقليميين الجائعين على مائدة مصالحهم وأطماعهم، فقد شحذ الجميع سكاكينهم لتقطيع والتهام الوطن المسمن دون رحمة. الفرصة سانحة، والفوضى رهيبة، وحدود لبنان مستباحة، والارهابيين والخارجين عن القانون جاهزون، وتجار العقائد الهدامة مستعدون في وطن يحوي خلائط كثيفة من الأفكار والمشارب والأهواء والايديولوجيات في ظلال دولة ركيكة، خانعة، مستسلمة، غير متماسكة، ومجتمعات متناقضة ضاعت بينها الهوية الأصلية. انفلاش مسلح غريب، قلق على المصير، خوف في العيون، يأس في النفوس، هستيريا ظاهرة، غياب تام للدولة، فقدان الأمن في الأرجاء، سيادة منتهكة تحت أقدام اللاجئين المستكبرين وأزلامهم المحليين، تعصب طائفي بغيض، تحدي، حقد، ضياع، وعزم على الصراع، وفيما استقوى إخوتنا في الوطن بالفلسطينيين والسوريين والليبيين والعراقيين وأفراد المنظمات اليسارية العالمية، وجد المسيحيون أنفسهم أمام واقع اقتلاعهم أو ترويضهم وإعادتهم إلى شروط الذمية الدينية التاريخية، فانتفضوا، وجهزوا رجالهم على عجل لمقارعة من تسول له نفسه الإنتقاص من كرامتهم وحريتهم ووجودهم، وذلك بإمكانيات ضئيلة وأعداد قليلة.
لقد وجد لبنان نفسه وحيداً ينتظر ذابحيه، فالولايات المتحدة الأمريكية غير مكترثة أو لنقول مشجعة لما ٱلت عليه الأمور في وطن الأرز، وفرنسا متناسية حائرة، وإسرائيل خبيثة تراقب سعيدة ما يحصل، ودوائر الفاتيكان تلفها حبال الصمت، والعرب بأغلبيتهم متٱمرون، وأين كانت الدولة اللبنانية وسط كل ذلك؟ وقد نأت بنفسها عن القيام بأدنى واجباتها لحماية شعبها والمؤسسات. لقد ابتعدت الدولة عن شعبها في الاستحقاق المر، ما دفع بهذا الشعب إلى تحمل مسؤولية الدفاع عن وجوده وسط حيادية الجيش اللبناني المكبل بقيود السياسة، فأصبح قرار المواجهة يقع علينا للدفاع عن هوية ووجود لبنان.
إذا تضافرت كل الأسباب وتراكمت الظروف وتجمعت الغيوم السوداء في سماء لبنان، تمطره بزوابع من نار وخراب وشقاق بين الطوائف والمذاهب والمناطق حيث ساد القتل والخوف والتهجير والهجرة، فقد قست الحرب وقسمت الطوائف طوائفا، والمناطق مناطقا، والإخوة أعداء، ولعبت الجيوش والميليشيات لعبة الموت على الساحة اللبنانية دون شفقة ولا رحمة، وتقاذفت المصالح الدولية لبنان، ونهشت لحمه الأيديولوجيات الهدامة، وكان الضحية، فمات من مات، وجرح من جرح، وسقط معوقا من سقط د، وتهجر من تهجر، وهاجر من هاجر، وفقد الكثيرون جنى أعمارهم، واهينت كرامة الجميع، واشرأبت رقاب الجلادين بسيوفهم تمعن الفتك بالبشر والحجر. وطن رسم مساره حفنة من السياسيين التقليديين النفعيين الاقطاعيين منذ عشرات السنين، تقاسموا خيراته وثيابه، وكما تزرع تحصد، نحنا الذين بنينا منزلنا على الرمل فلما أتت العاصفة والسيول انهدم…

د.جو حتي

Spread the love

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *