أميركا، فيك الخصام وانت الخصم والحكم…
ألسفير د. هشام حمدان
لا أحد في لبنان بما في ذلك الطفل الرضيع، يجهل أن القرار في لبنان صنع في أميركا. نحن صنعنا تاريخنا بل قدرنا، بأن نكون جسرا بين الغرب والشرق منذ أن اخترنا نظامنا الدستوري الأول خلال الإنتداب الفرنسي عام ١٩٢٦. كانت فرنسا هي الأم الحنون حتى اجتاحت أميركا القرار الدولي، فصارت أميركا، الأم الحنون لأمنا الحنون.
نعم، نعلم أن أميركا هي صاحبة القرار فلا تتذاكوا علينا. لا يصل أي شخص في لبنان إلى موقع مسؤولية مؤثرة من دون رضى أميركا. وبمعنى آخر، فإن القابعين في مركز الرئاسات الثلاث في لبنان هم صنع في أميركا. ولعل القابع على الرئاسة الثانية منذ عقود هو الأكثر ترسخا في الصناعة الأميركية. لا عجب أن يقول أحد الكتاب الأميركيين أنه الوكيل الأميركي الأول في المنطقة. لذلك. لا عجب أنه يلعب دورا أساسياً في مسيرة السياسة الوطنية في البلاد.
لقد كنا دائما، من مؤيدي هذا النموذج المميز للبنان، كجسر حضاري وثقافي بين الشرق والغرب. لكننا عارضنا بقوة، تحويل هذا الدور منذ توقيع اتفاق القاهرة عام ١٩٦٩ ، حين أصبح لبنان جسرا للصراع السياسي والعسكري بين الشرق والغرب.
ليست أميركا ولا من يمثل في لبنان ألوجه الغربي في دور الجسر الحضاري مع الشرق ( ألمارونية السيسية)، هما من اختار لنا هذا الدور، بل العروبة ( ألعروبة الثورية القومية)، وخاصة جمال عبد الناصر، ومن يمثل في لبنان الوجه الشرقي في لعبة الجسر الحضاري ( السنية السياسية والحركات اليسارية).
دفع لبنان الأثمان الباهظة لهذا التحول. كاد الحضور الثقافي والحضاري الغربي أن ينهار في لبنان، فكان لا بد من لعبة الوكلاء داخل أركان القيادة العروبية الثورية الشرقية في البلاد. جاءنا حافظ الاسد ومعه نبيه بري، ومن ثم وليد جنبلاط. وهكذا بدأت معالم الحرب الباردة تتفاعل على أرضنا بين جذب وشد، إلى أن انتهت الحرب الباردة في العالم، وسادت أميركا. فتحقق اتفاق الطائف.
واجهنا استمرار الحرب الباردة العربية العربية. فتوقف تطبيق اتفاق الطائف، وعاد لبنان ساحة نزاعات لهذه الحرب. تعزز دور الوكلاء أكثر، وزادت أعدادهم. إنضم رفيق الحريري آلى لائحة الوكلاء. انتهت فترة الشد والجذب مع الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان عام ٢٠٠٠. سوى أن هذا الامر ترافق مع نهاية حافظ الاسد، الوكيل الأهم في لعبة الحرب الباردة العربية. سادت إيران. تضاعف دور لبنان. فبالإضافة إلى الحرب الباردة العربية العربية، أصبح لبنان ايضا، ساحة الحرب الباردة العربية الإيرانية. فقتل رقيق الحريري.
لعبت أميركا دورها لتصفية الحرب الباردة العربية العربية بإنهاء ما كان يسمى أنظمة الدول القومية الثورية العربية تحت شعار الربيع العربي. وهي تنهي الان ألحرب الباردة العربية الإيرانية.
تبقى لذلك. لعبة الوكلاء في لبنان مستمرة، ولكن في إطار ما تفرضه عملية تصفية الحرب الباردة العربية الإيرانية. وعليه، فإن كل حديث عن تغيير في لبنان يفترض أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار.
بدات مظاهر تصفية الحرب الباردة العربية الإيرانية تظهر بقوة. لكنها لم تنته بعد، وعليه فاختيار رئيسي الجمهورية والحكومة إتصل بهذه المرحلة. قد يسود الاعتقاد بأن التغيير الحقيقي في البلاد لم يحن أوانه بعد. لكن ما يحصل مقلق. هذه المرحلة دقيقة وما نخشاه أن تتكرس في هذه المرحلة قواعد تعيق التغيير الدائم المنشود في البلاد. فالوكلاء لهم مصالحهم، وأميركا ترغب بحمايتهم. علينا أن نقنع أميركا أن مصالحها المستقبلية في هذا الوطن الذي تحمل الويلات، هو في اعادة الطابع الحيوي للديمقراطية في لبنان، وانهاء قوة الوكلاء. أي تلكؤ في بناء لبنان خارج الحكم المذهبي، هو دافع لحرب أهلية جديدة مقبلة قد تتأخر ظروفها الموضوعية. لكنها قادمة حتما. ومثل هذه الحرب، ستضعف من جديد ألنموذج الاميركي المنشود للشرق الأوسط، نموذج السلام الدائم فيه. السلام الدائم في الشرق الأوسط يحتاج إلى لبنان بوجه جديد تصفى فيه أيضا الحرب الباردة المذهبية وإطلاق وجوه جديدة ليست من رحم الوكلاء.
يستمر الرئيسان حتى الان بلعبة المحاصصة. لا عجب أنهما يستشيران بري في كل شاردة وواردة. هذا خطأ فادح، اميركا، فتشي عن العقلاء لا الوكلاء ولا أدوات للوكلاء. المستقبل لا يصنعه وكيل مصطنع مهما كانت قوته، والتاريخ شاهد على ذلك. لبنان بحاجة لمن يرى مصلحة لبنان اولا فمصلحة لبنان اولا ستحمي مصلحة السلام اولا في هذه المنطقة.