زيارة جنبلاط إلى دمشق: هل تخدم السلام في الشرق الأوسط وسورية؟

زيارة جنبلاط إلى دمشق: هل تخدم السلام في الشرق الأوسط وسورية؟
السفير د. هشام حمدان

وضعت هذا السؤال قبل أي شيء آخر إنطلاقا من قناعاتي بأن الأحداث في منطقتنا. تحكمها مصالح خارجية، أهمها المصلحة الأميركية ألمنبثقة بدورها من المصلحة الإسرائيلية.

إطلعت على بيان مشيخة العقل في السويداء ألذي طالبت فيه بالحماية الدولية. أكد البيان قبل هذا الطلب، تمسك الدروز في سورية، بالهوية الوطنية،مطالبين بدستور ونظام يمنحهم الحقوق والحماية المناسبة.
هذا حق مشروع، خاصة على ضوء الأحداث التي جرت في الساحل العلوي، وكذلك على ضوء التجارب الماضية التي عاشها الدروز وغيرهم من الأقليات في سورية. لذلك، تساءلت عن مغزى زيارة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط إلى دمشق في هذا الوقت بالذات، وفائدة البيان الذي صدر بعد الزيارة.

تؤكّد الزيارة والبيان أن جنبلاط ما برح يتدخل في شأن داخلي في سورية تحت حجة الإنتماء الطائفي. هذا الأمر يسمح، بل يبرر لآخرين من الخارج ألتدخل في شؤون لبنان تحت ذات الحجة. لقد طالبنا دوما بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تأكيدا على مفهوم حيادنا الوطني. لا يبرر الإنتماء الديني لأي طرف التدخل في شؤون الآخرين. كان هذا الأمر دوما وسيلة تدخل الإستعمار وأصحاب المصالح من القوى الخارجية في لبنان. دور بيت عائلة جنبلاط ( جنبولادا) الكردية لإقطاعية في لبنان، نشأ أصلا كوسيلة لفرض السلطنة العثمانية سلطانها في جبل لبنان، وخاصة حيث كان الدروز هم أسياد الجبل.

تدخل جنبلاط في هذا الشأن السوري مقلق. فبالإضافة إلى أضراره على المصلحة الوطنية اللبنانية، وخروجه عن إعلان بعبدا لعام ٢٠١٢، وتناقضه مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية، فهو يضر بوحدة طائفة الدروز أنفسهم وكذلك يرمي الزيت على نار المواجهة الداخلية في سورية نفسها.

والسؤال من هو المستفيد من ذلك؟
ليس الدروز حتما. ولا النظام في سورية، بل اللاعبون الإقليميون الكبار أصدقاء أميركا أي تركيا وإسرائيل. كيف؟

إستمعت اليوم إلى مقابلة تلفزيونية تتحدث فيها خبيرة معنية بالأحداث عن خطة تركية لتهجير الدروز من جرمانا. توقفت عند هذا الأمر، خاصة وأنني كنت لفت وحذرت سابقا من مسعى دفع الدروز إلى حضن إسرائيل. من المؤسف أن جنبلاط ومن ينعم بسلطانه، يعتقدون أن لا أحد يفهم الواقع مثله. وهذا الأمر غير صحيح. نحن شاركنا في صناعة النظام الدولي الحالي. جنبلاط لم يكن لاعبا حرا ومستقلا بل كان خاتما في إصبع حافظ الاسد. من أجله رفض كل الوساطات السعودية والأميركية والفرنسية لترتيب انسحاب إسرائيلي سلمي من الجبل، فكانت حرب الجبل وبعدها حرب بيروت الغربية وآخرها لعبة المحاصصة في السلطة وعدم تنفيذ اتفاق الطائف.

ما زال جنبلاط تحت وهم زعامته للدروز في تلك الحرب. هو في الواقع ما زال يعيش حالة الحرب. وقد رفض مرارا نداءاتنا له للعودة الى تاريخ والده الحزبي والتحول نحو بناء وطن وفقا لمبادىء ذلك الحزب. وبدلا من أن يخرج جنبلاط من الثوب الطائفي ويرتدي الثوب الحزبي، جعل الحزب مطية دوره الطائفي.

ألشرق الأوسط الجديد لا يأخذ مصالح أية طائفة بعين الإعتبار ما لم يخدم ذلك الاستراتيجية المعلنة تحت عنوان النظام الإبراهيمي. هناك مسعى جاد لإقامة تطبيع بين سورية وإسرائيل. إسرائيل تريد اعترافا من النظام السوري بضم الجولان وجبل الشيخ ألذي وضعت يدها عليه مؤخرا. هذا لن يتم إلا بدعم من مواطني تلك الأراضي وهم الدروز. تركيا تريد فرض نفوذ الاخوان في سورية ووضع سورية تحت مظلتها. وبدلا من أن يسعى جنبلاط لإقناع الشرع بتلبية مطالب الدروز في سورية والدفاع عنها، قام بتغذية حملة دفعهم إلى الحضن الاسرائيلي. ربما أن الداخل الإخواني لجنبلاط وريث جده الأمير شكيب أرسلان، هو الذي يحركه.

Spread the love

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *